فصل: تفسير الآية رقم (48):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (48):

{وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48)}
{وَلَقَدْ ءاتَيْنَا موسى وهارون الفرقان وَضِيَاء وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ} نوع تفصيل لما أجمل في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالًا نُّوحِى إِلَيْهِمْ} [يوسف: 109] إلى قوله سبحانه: {وَأَهْلَكْنَا المسرفين} [الأنبياء: 9] وإشارة إلى كيفية انجائهم وإهلاك أعدائهم، وتصديره بالتوكيد القسمي لإظهار كمال الاعتناء ضمونه، والمراد بالفرقان التوراة وكذا بالضياء والذكر، والعطف كما في قوله:
إن الملك القرم وابن الهمام ** وليس الكتيبة في المزدحم

ونقل الطيبي أنه أدخل الواو على {ضِيَاء} وإن كان صفة في المعنى دون اللفظ كما يدخل على الصفة التي هي صفة لفظًا كقوله تعالى: {إِذْ يَقُولُ المنافقون والذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} [الأنفال: 49] وقال سيبويه: إذا قلت مررت بزيد وصاحبك جاز وإذا قلت ومررت بزيد فصاحبك بالفاء لم يجز كما جاز بالواو لأن الفاء تقتضي التعقيب وتأخير الاسم عن المعطوف عليه بخلاف الواو، وأما قول القائل:
يا لهف زيابة للحارث الصا ** بح فالغانم فالآيب

فإنما ذكر بالفاء وجاء لأنه ليس بصفة على ذلك الحد لأن أل عنى الذي أي فالذي صبح فالذي غنم فالذي آب.
وأبو الحسن يجيز المسألة بالفاء كما يجيزها بالواو انتهى، والمعنى وبالله لقد آتيناهما كتابًا جامعًا بين كونه فارقًا بين الحق والباطل وضياء يستضاء به في ظلمات الجهل والغواية وذكرا يتعظ به الناس ويتذكرون، وتخصيص المتقين بالذكر لأنهم المنتفعون به أو ذكر ما يحتاجون به من الشرائع والأحكام أو شرف لهم.
وقيل: الفرقان النصر كما في قوله تعالى: {يَوْمَ الفرقان} [الأنفال: 41] وأطلق عليه لفرقه بين الولي والعدو وجاء ذلك في رواية عن ابن عباس، والضياء حينئذ إما التوراة أو الشريعة أو اليد البيضاء، والذكر بأحد المعاني المذكورة.
وعن الضحاك أن الفرقان فلق البحر والفلق إخوان، وإلى الأول ذهب مجاهد. وقتادة وهو اللائق ساق النظم الكريم فإنه لتحقيق أمر القرآن المشارك لسائر الكتب الإلهية لاسيما التوراة فيما ذكر من الصفات ولأن فلق البحر هو الذي اقترح الكفرة مثله بقولهم: {بَلْ قَالُواْ أضغاث أَحْلاَمٍ بَلِ} [الأنبياء: 5].
وقرأ ابن عباس. وعكرمة. والضحاك {ضِيَاء} بغير واو على أنه حال من {الفرقان} وهذه القراءة تؤيد أيضًا التفسير الأول وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (49):

{الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49)}
{الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُم} مجرور المحل على أنه صفة مادحة للمتقين أو بدل أو بيان أو منصوب أو مرفوع على المدح، والمراد على كل تقدير يخشون عذاب ربهم. وقوله سبحانه: {بالغيب} حال من المفعول أي يخشون ذلك وهو غائب عنهم غير مرئي لهم ففيه تعريض بالكفرة حيث لا يتأثرون بالإنذار ما لم يشاهدوا ما أنذروه.
وقال الزجاج: حال من الفاعل أي يخشونه غائبين عن أعين الناس ورجحه ابن عطية. وقيل: يخشونه بقلوبهم {وَهُمْ مّنَ الساعة مُشْفِقُونَ} أي خائفون بطريق الاعتناء، والجملة تحتمل العطف على الصلة وتحتمل الاستئناف، وتقديم الجار لرعاية الفواصل، وتخصيص إشفاقهم من الساعة بالذكر بعد وصفهم بالخشية على الإطلاق للإيذان بكونه معظم المخلوقات وللتنصيص على اتصافهم بضد ما اتصف به المستعجلون، وإيثار الجملة الاسمية للدلالة على أن حالتهم فيما يتعلق بالآخرة الاشفاق الدائم.

.تفسير الآية رقم (50):

{وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50)}
{وهذا} أي القرآن الكريم أشير إليه بهذا للإيذان بسهولة تناوله ووضوح أمره، وقيل: لقرب مزمانه {ذُكِرَ} يتذكر به من تذكر وصف بالوصف الأخير للتوراة لمناسبة المقام وموافقته لما مر في صدر السورة الكريمة مع انطواء جميع ما تقدم في وصفه بقوله تعالى: {مُّبَارَكٌ} أي كثير الخبر غزير النفع؛ ولقد عاد علينا ولله تعالى الحمد من بركته ما عاد.
وقوله تعالى: {أنزلناه} إما صفة ثانية لذكر أو خبر آخر لهذا، وفيه على التقديرين من تعظيم أمر القرآن الكريم ما فيه {أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} إنكار لإنكارهم بعد ظهور كونه كالتوراة كأنه قيل أبعد أن علمتم أن شأنه كشأن التوراة أنتم منكرون لكونه منزلًا من عندنا فإن ذلك بعد ملاحظة حال التوراة مما لا مساغ له أصلًا وتقديم الجار والمجرور لرعاية الفواصل أو للحصر لأنهم معترفون بغيره مما في أيدي أهل الكتاب.

.تفسير الآيات (51- 52):

{وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52)}
{وَلَقَدْ ءاتَيْنَا إبراهيم رُشْدَهُ} أي الرشد اللائق به وبأمثاله من الرسل الكبار وهو الرشد الكامل أعني الاهتداء إلى وجوه الصلاح في الدين والدنيا والإرشاد بالنواميس الإلهية؛ وقيل الصحف، وقيل: الحكمة، وقيل: التوفيق للخير صغيرًا، واختار بعضهم التعميم.
وقرأ عيسى الثقفي {رُشْدَهُ} بفتح الراء والشين وهما لغة كالحزن والحزن {مِن قَبْلُ} أي من قبل موسى وهارون، وقيل من قبل البلوغ حين خرج من السرب، وقيل من قبل أن يولد حين كان في صلب آدم عليه السلام، وقيل من قبل محمد صلى الله عليه وسلم والأول مروي عن ابن عباس. وابن عمر رضي الله تعالى عنهم قال في الكشف: وهو الوجه الأوفق لفظًا ومعنى، أما الأول فللقرب، وأما الثاني فلأن ذكر الأنبياء عليهم السلام للتأسي فقد ذكر موسى عليه السلام لأن حاله وما قاساه من قومه وكثرة آياته وتكاثف أمته أشبه بحال نبينا عليه الصلاة والسلام ثم ثنى بذكر إبراهيم عليه السلام، وقيل: {مِن قَبْلُ} لهذا ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَنُوحًا إِذْ نادى مِن قَبْلُ} [الأنبياء: 76] أي من قبل هؤلاء المذكورين، وقيل من قبل إبراهيم ولوط اه {وَكُنَّا بِهِ عالمين} أي بأحواله وما فيه من الكمالات، وهذا كقولك في خير من الناس: أنا عالم بفلان فإنه من الاحتواء على محاسن الأوصاف نزل.
وجوز أن يكون هذا كناية عن حفظه تعالى إياه وعدم إضاعته، وقد قال عليه السلام يوم إلقائه في النار وقول جبريل عليه السلام له سل ربك: علمه بحالي يغني عن سؤالي وهو خلاف الظاهر {إِذْ قَالَ لاِبِيهِ وَقَوْمِهِ} ظرف لـ {آتينا} [الأنبياء: 51] على أنه وقت متسع وقع فيه الإيتاء وما يترتب عليه من أقواله وأفعاله، وجوز أن يكون ظرفًا لرشد أو لعالمين، وأن يكون بدلًا من موضع {مِن قَبْلُ} [الأنبياء: 51] وأن ينتصب بإضمار أعني أو اذكر، وبدأ بذكر الأب لأنه كان الأهم عنده عليه السلام في النصيحة والانقاذ من الضلال.
والظاهر أنه عليه السلام قال له ولقومه مجتمعين: {مَا هذه التماثيل التي أَنتُمْ لَهَا عاكفون} أراد عليه السلام ما هذه الأصنام إلا إنه عبر عنها بالتماثيل تحقيرًا لشأنها فإن التمثال الصورة المصنوعة مشبهة خلوق من مخلوقات الله تعالى من مثلت الشيء بالشيء إذا شبهته به، وكانت على ما قيل صور الرجال يعتقدون فيهم وقد انقرضوا، وقيل كانت صور الكواكب صنعوها حسا تخيلوا، وفي الإشارة إليها بما يشار به القريب إشارة إلى التحقير أيضًا، والسؤال عنها بما التي يطلب بها بيان الحقيقة أو شرح الاسم من باب تجاهل العارف كأنه لا يعرف أنها ماذا وإلا فهو عليه السلام محيط بأن حقيقتها حجر أو نحوه، والعكوف الإقبال على الشيء وملازمته على سبيل التعظيم له، وقيل اللزوم والاستمرار على الشيء لغرض من الأغراض وهو على التفسيرين دون العبادة ففي اختياره عليها إيماء إلى تفظيع شأن العبادة غاية التفظيع، واللام في {لَهَا} للبيان فهي متعلقة حذوف كما في قوله تعالى: {لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: 43] أو للتعليل فهي متعلقة بعاكفون وليست للتعدية لأن عكف إنما يتعدى بعلى كما في قوله تعالى: {يَعْكُفُونَ على أَصْنَامٍ لَّهُمْ} [الأعراف: 138] وقد نزل الوصف هنا منزلة اللازم أي التي أنتم لها فاعلون العكوف.
واستظهر أبو حيان كونها للتعليل وصلة {عاكفون} محذوفة أي عاكفون على عبادتها، ويجوز أن تكون اللام عنى على كما قيل ذلك في قوله تعالى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الاسراء: 7] وتتعلق حينئذ بعاكفون على أنها للتعدية.
وجوز أن يؤول العكوف بالعبادة فاللام حينئذ كما قيل دعامة لا معدية لتعديه بنفسه ورجح هذا الوجه بما بعد، وقيل لا يبعد أن تكون اللام للاختصاص والجار والمجرور متعلق حذوف وقع خبرًا و{عاكفون} خبر بعد خبر، وأنت تعلم أن نفي بعده مكابرة. ومن الناس من لم يرتض تأويل العكوف بالعبادة لما أخرج ابن أبي شيبة. وعبد بن حميد. وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. والبيهقي في الشعب عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه مر على قوم يلعبون بالشطرنج فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون لأن يمس أحدكم جمرًا حتى يطفى خير له من أن يمسها، وفيه نظر لا يخفى، نعم لا يبعد أن يكون الأولى إبقاء العكوف على ظاهره، ومع ذلك المقصود بالذات الاستفسار عن سبب العبادة والتوبيخ عليها بالطف أسلوب ولما لم يجدوا ما يعول عليه في أمرها التجؤا إلى التشبث بحشيش التقليد المحض حيث.

.تفسير الآية رقم (53):

{قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53)}
{قَالُواْ وَجَدْنَا ءابَاءنَا لَهَا عابدين} وأبطل عليه السلام ذلك على طريقة التوكيد القسمي حيث.

.تفسير الآية رقم (54):

{قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54)}
{قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَءابَاؤُكُمْ} الذين وجدتموهم كذلك {فِى ضلال} عجيب لا يقادر قدره {مُّبِينٌ} ظاهر بين بحيث لا يخفى على أحد من العقلاء كونه ضلالًا لاستنادكم وأياهم إلى غير دليل بل إلى هوى متبع وشيطان مطاع، و{أَنتُمْ} تأكيد للضمير المتصل في {كُنتُمْ} ولابد منه عند البصريين لجواز العطف على مثل هذا الضمير، ومعنى كنتم في ضلال مطلق استقرارهم وتمكنهم فيه لا استقرارهم الماضي الحاصل قبل زمان الخطاب المتناول لهم ولآبائهم، وفي اختيار {فِى ضلال} على ضالين ما لا يخفى من المبالغة في ضلالهم، وفي الآية دليل على أن الباطل لا يصير حقًا بكثرة المتمسكين به.

.تفسير الآية رقم (55):

{قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55)}
{قَالُواْ} لما سمعوا مقالته عليه السلام استبعادًا لكون ما هم عليه ضلالًا وتعجبًا من تضليله عليه السلام أياهم على أتم وجه {أَجِئْتَنَا بالحق} أي بالجد {أَمْ أَنتَ مِنَ اللاعبين} أي الهازلين فالاستفهام ليس على ظاهره بل هو استفهام مستبعد متعجب، وقولهم: {أَمْ أَنتَ} إلخ عديله كلام منصف مومئ فيه بالطف وجه أن الثابت هو القسم الثاني لما فيه من أنواع المبالغة، وأشار في الكشاف كما في الكشف إلى أن الأصل هذا الذي جئتنا به أهو جد وحق أم لعب وهزل إلا أنه عدل عنه إلى ما عليه النظم الكريم لما أشير إليه.
وقال «صاحب المفتاح»: أي أجددت وأحدثت عندنا تعاطى الحق أم أحوال الصبا بعد على الاستمرار وهو أقرب إلى الظاهر وفيه الإشارة إلى فائدة العدول عن المعادل ظاهرًا وبيان المراد بالمجيء، وظاهر كلام الشيخين أن أم متصلة. واختار العلامة الطيبي أنها منقطعة فقال: إنهم لما سمعوا منه عليه السلام ما يدل على تحقير آلهتهم وتضليلهم وآبائهم على أبلغ وجه وشاهدوا منه الغلظة والجد طلبوا منه عليه السلام البرهان فكأنهم قالوا هب إنا قد قلدنا آباءنا فيما نحن فيه فهل معك دليل على ما ادعيت أجئتنا بالحق ثم أضربوا عن ذلك وجاؤا بأم المتضمنة لمعنى بل الإضرابية والهمزة التقديرية فاضربوا ببل عما أثبتوا له وقرروا بالهمزة خلافه على سبيل التوكيد والبت، وذلك أنهم قطعوا أنه لاعب وليس حق البتة لأن إدخالهم إياه في زمرة اللاعبين أي أنت غريق في اللعب داخل في زمرة الذين قصارى أمرهم في إثبات الدعاوي اللعب واللهو على سبيل الكناية الإيمائية دل على إثبات ذلك بالدليل والبرهان، وهذه الكناية توقفك على أن أم لا يجوز أن تكون متصلة قطعًا وكذا بل فيما بعد انتهى؛ والحق أن جواز الانقطاع مما لا ريب فيه، وأما وجوبه ففيه ما فيه.